غياهب الفقد

لا أعرفُ ما الذي تعنيه كلمة غياهب, أهيَ الوادي البعيد الذي لا تجدُ فيهِ أحدًا سواك؟ الممتليءُ بأشجارِ الشتاء الجافة..المُغطى بسماءٍ معتمة لا تُدرك منها أنتَ في النهارِ أم الليل ؟!

ربما, لا أملكُ الرغبة حتى لأستقطع من وقتي الآن لأبحث, لكنني أشعرُ أنها هكذا..هل تعلمُ ماذا يعني أن تشعر تجاه كلمةً محددة ؟

أشعرُ أيضًا أنني أصبحتُ ضيفة هذا الوادي كثيرًا مؤخرًا, أسقيهِ بدمعي حتى أُجري فيهِ نهرًا لا ينضب..أملؤه بضياعي, بحنيني, بقلقي, بحزني..حتى يزدهرَ بي, ويتخطفني بين الفينةِ والأخرى مني..

نعم, فقدتُ أمي, وفي كلّ مرّةٍ أظنّ فيها أنني بخير, تتسللُ ذكرى..يحوطني موقف, يزورني حلم..يعبرني صوت.. فأجدُ ما بداخلي ينهار شوقًا ..

وفي كلّ مرّة أظنُ فيها أنني قوية, يهزّني حنينٌ عارم, قولٌ عابر, أغنيةٌ بريئة عن الأم ..فأجدني أترامى في غياهب الفقد..ليلًا

تمرّ الأيام, وأنا التي كنتُ أظنُ أن الإنسان ينسى بمرور الأيام, إلا أنني رأيتُ أن فقد الأمِ لهُ قانونٌ آخر, ورأيتُ أنّ مرور الأيام تُعمّقُ أثر الفقدِ واليتمِ في قلبِ المرء يومًا بعد يوم ..

ما زلتُ أحاولُ أن أعيش..عدتُ لأفعلَ ما كنتُ أفعلهُ قبل وفاتها رحمها الله..ووجدتُ أنّ كلّ شيءٍ يختلف, ووجدتُ أنّ في قلبي شرخٌ لا يجبرهُ إلا لطفُ الله, ولقاءٌ طيّب في الجنة أسألُ الله أن يُكرمني به بخيرٍ وعافية ..

ووجدتُ أيضًا أنّ الأشياء, كلّ الأشياء..أصبحت تنتمي إلى قسمين .. فأشياءٌ قبل وفاة أمي, وأشياءٌ بعد وفاتها

هذا عملٌ عملته قبل وفاتها..هذا شيءٌ حصلتُ عليه أثناء وجودها.. وبدون شعورٍ مني, أصبحَ للأشياءِ الصغيرةِ معنى لمجرّد كونها حصلت في حياةِ أمي..

اللهم لا اعتراضَ على قضائك, اللهم أسألك قوّة من عندك, وجبرًا من حنانك, وعطفًا من لدنك, وأنسًا منك يُذهب لوعة الفقدِ ووجعه لنا جميعًا

اللهم رحمةً واسعة لأمي, وجميع أحبّتي ..اللهم طيّب مسكنهم..وآنس وحشتهم..وارحمنا وارزقنا من يدعو لنا إذا صرنا معهم ..

آمين.